كتاب الروض المربع الجزء الأول
المراد ببهيمة الأنعام
بسم الله الرحمن الرحيم. قال الشارح رحمه الله تعالى: باب زكاة بهيمة الأنعام ؛ وهي الإبل والبقر والغنم، وسميت بهيمة الأنعام؛ لأنها لا تتكلم. تجب الزكاة في إبل؛ بخاتي أو عراب، وبقر أهلية أو وحشية، ومنها الجواميس وغنم ضأن أو معز أهلية أو وحشية؛ إذا كانت لدر ونسل لا لعمل، وكانت سائمة أي راعية للمباح الحول أو أكثره لحديث بهز بن حكيم اسم> عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رسم> في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون متن_ح> رسم> رواه أحمد وأبو داود والنسائي حديث> وفي حديث الصديق اسم> رسم> وفي الغنم في سائمتها.... متن_ح> رسم> إلى آخره.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
بالإجماع أن بهيمة الأنعام فيها الزكاة؛ زكوية، وقد استدل على ذلك بالأحاديث الصحيحة؛ الأحاديث التي وردت في تحديد الزكاة، ومنها حديث أبي سعيد اسم> قول النبي صلى الله عليه وسلم: رسم> ليس فيما دون خمس ذود صدقة متن_ح> رسم> فدل على أن الخمس فيها صدقة، والذود هي الإبل. ورد في حديث جابر اسم> المشهور الوعيد على منعها قال صلى الله عليه وسلم: رسم> ما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطحت له يوم القيامة أوفر ما كانت. تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؛ حتى يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار متن_ح> رسم> وذكر مثل ذلك في البقر وفي الغنم، فهذا وعيد دل على أن فيها حقا.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يبعث من يجبي الصدقات؛ من يجمعها من البوادي، فتارة يفرقونها على المستضعفين والفقراء، وما لم يجدوا فقيرا جاءوا به إلى فقراء المدينة اسم> ليفرق على من يستحقه، أو ينفق في وجوه الخير، وسيأتينا إن شاء الله بيان أهل الزكاة؛ ومنهم الجهاد في سبيل الله.
البهيمة في الأصل هي التي لا تتكلم, وذلك أن البُهمة هي العجمة, فسميت بهيمة لأنها لا تنطق، والمراد هنا الأنعام التي مَنَّ الله بتسخيرها. كثير من الآيات يذكر الله تسخير هذه البهيمة, كما في قوله تعالي: رسم> أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُون قرآن> رسم> وفي قوله تعالى: رسم> وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ قرآن> رسم> وكذلك عدَّدَها في سورة الأنعام في قوله تعالى: رسم> ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ قرآن> رسم> يعني: ذكر وأنثى رسم> وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قرآن> رسم> ثم قال: رسم> وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قرآن> رسم> فهي ثمانية أصناف ذكرت في هذه الآية أنها ثمانية، وكذلك في سورة الزمر رسم> وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ قرآن> رسم> فهذا دليل على أن هذه هي بهيمة الأنعام، مع أن الله تعالى قد سخر وأوجد مخلوقات أخرى، ومع ذلك لم يمتنّ بها كما امتن بهذه الأنعام، ففي سورة النحل قال تعالى: رسم> وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً قرآن> رسم> امتن بها؛ امتن بركوبها وبأنه زينة، فاستُدِلَّ بهذه الآية على أنها ليس فيها زكاة, ولو ملك الإنسان مائة فرس أو مائة بغل أو مئات من الحمر؛ لأنه لا يُقتنى مثل ما تُقتنى هذه الدواب؛ بهيمة الأنعام.
فعلى هذا تختص الزكاة بهذه البهائم الثمانية؛ فالإبل نوعان: بَخاتي وعِراب, البختي: نوع من الإبل له سنامان، يوجد في بعض البلاد في تركيا اسم> وفي بعض البلاد النائية له سنامان، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في بعض النساء: رسم> رءوسهن كأسنمة البُخْت متن_ح> رسم> أي: التي لها سنامان، فهذا يُركب ويُحلب ويُنتفع به، كما ينتفع بالإبل العِراب التي لها سنام واحد.
كذلك البقر نوعان: الجواميس والبقر العربية، وهناك بقر وحشية. منهم من يقول: إن فيها زكاة؛ لأنها يصدق عليها اسم بقر، ومنهم من قال: ليس فيها زكاة؛ لأنها صيد، ولأنها متوحشة تنفر بطبعها من الإنسان بخلاف البهيمية فإنها مذللة. الإنسية التي تأنس بالناس مذللة تألف البيوت وتألف الأهل، فلا يتم النعمة بالوحشي الذي ينفر، وهذا هو الأقرب أنه لا زكاة فيها؛ إلا إذا مَلَكَهَا بنية التجارة. إذا اشترى من البقر الوحشي أنواعًا ليبيعها ويربح فيها.
ثم الغنم: اسم للضأن والمعز, وهناك أيضا معز وحشية؛ هي نوع من الظباء. منهم من يقول: إنها زكوية، والأقرب أيضا أنها ليست زكوية؛ وذلك لأنها لا تُملك كما تُملك البهيمية، ولا تأنس بالإنسان؛ بل طَبْعُها: النفرة والبعد والشرود. يدخل في ذلك الظباء فإنها من جنس المعز، وكذلك الوعل والأروى والإيَّل والتيتل, وحمر الوحش المشهورة, هذه كلها يصدق عليها أنها شبيهة بالغنم، ولكنها وحشية, فلا تأنس للإنسان, ولا تمكنه من اقتنائها. يوجد مَن يُمسكها ويحجزها ويحلبها, وتتوالد في بعض الحدائق؛ ولكن لا تتم بها نعمة, ولا تَرعى كما تَرعى الغنم, بل إذا أُخرجت هربت.
مسألة>